فالفنانة التي شاركت في بطولة فيلم “أبي فوق الشجرة” مع عبد الحليم حافظ وميرفت أمين، وغنى لها “جانا الهوا”، بقيت في ذاكرة الكثيرين أيقونة لزمن الفتوة والمراهقة، متوهجة في اللاوعي بجسدها الذي يضج باللذة والرغبة… ثمة جيل كان يتابع الفيلم كأنه يكتشف المحجوب عنا، لأن نادية وعبد الحليم سجلا رقماً قياسياً في القبلات المحمومة التي “زادت عن حدها” في زمن ما قبل انفجار وسائل التواصل الاجتماعي… وكان كثيرون في صالات السينما وحتى أمام التلفزيون، يلجأون إلى عدّ القبل، كأن الفيلم أنطولوجيا قبلات، وقيل إن قبلةً من قُبله وصلت إلى 5 دقائق ومنعتها الرقابة. وقيل أيضاً أن حليم ونادية، حين كانا يصوران مشهداً لقبلة بينهما، صرخ المخرج حسين كمال “ستوب”، ولم يتوقفا، وأعاد المخرج الكلمة “ستوب”، ولم يتوقفا، إذ اندمج الاثنان حتى كاد يفصل بينهما بالأيدي. وبعد انفصالهما، صفق حسين كمال استحسانًا للمشهد، واعتبر اللقطة من أنجح لقطات الفيلم، وسبّبت القبلة الكثيرة من الشائعات، وطُرح سؤال: هل كانت القبلة حقيقية أم سينمائية؟ وردّ عبد الحليم: “الواقع اني بالفعل شعرت باندماج فعلي وأنا أمثل المشهد، فأنا أعيش قصة الفيلم منذ ثلاث سنوات، وأكاد أحفظه عن ظهر قلب مشهدًا مشهدًا”.
وعدا القبلة الضائعة بين التمثيل والواقع، قالت نادية لطفي في لقاء تلفزيوني، أنها أصيبت بالإغماء بعد ضرب عبد الحليم لها، موضحة: “العندليب كان غشيم في تصوير مشاهد الضرب على الوجه وكانت يده قوية، رغم جسده النحيف”. على أن الفيلم الشهير الذي يعتبر من أكثر الأفلام جماهيرية، الى جانب “خلي بالك من زوزو” لسعاد حسني، عاد أكثر من مرة إلى الواجهة، بسبب اندفاع الرقابة إلى منعه بسبب القُبل، وحدث هذا في منتصف التسعينات من القرن الماضي، والعام 2012…
والصورة الأخرى التي انشغلت بها غالبية وسائل الإعلام بعد وفاة نادية لطفي، تتجلى في علاقتها بالقضية الفلسطينية. فالفنانة الشقراء والعصامية ذهبت لزيارة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات أثناء الاجتياح الاسرائيلي لبيروت العام 1982، وسجلت ما حدث من مجازر في صبرا وشاتيلا بكاميراتها الخاصة، ونقلته لمحطات تلفزيونية عالمية، ما دفع عرفات إلى تكريمها بعد ذلك في منزلها مُهديًا لها كوفيته (علامة ثورته)، تقديرًا لمواقفها المساندة للمقاومة الفلسطينية.
ويشهد لها الشاعر الفلسطيني عزالدين المناصرة بأنها “كانت امرأة شجاعة عندما زارتنا خلال حصار بيروت 1982. وبقيت طيلة الحصار، وخرجت معنا في سفينة شمس المتوسط اليونانية، إلى ميناء طرطوس السوري، حيث وصلنا يوم 1-9-1982”. وقد استطاعت لطفي أن تحتفظ في مكتبتها الخاصة بـ25 شريط فيديو لوقائع حقيقية عاشتها بنفسها أثناء هذا الاجتياح. وقالت الصحافة العالمية عنها: “لم يكن مع نادية لطفي كاميرا بل كان مدفعاً رشاشاً في وجه قوات الاحتلال”…
وظلت نادية تطوف لشهور، في العديد من عواصم العالم، لتعرض ما قام به شارون في هذا الوقت من أعمال وحشية… وتابعت لطفي قضية نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، وقالت في أحد اللقاءات الصحافية: “أندهش، ذلك أن هذا هو المتوقع من ترامب أو أي رئيس أميركي، فمساندة أميركا لإسرائيل معروفة وعلينا ألا ننتظر منها أن تكون عادلة في نظرتها للقضية الفلسطينية”.
نادية لطفي التي وصفها الشاعر زين العابدين فؤاد بـ”أم الجنود” استنادًا إلى مواقفها الإنسانية والسياسية، مشيرًا إلى أنها وقفت إلى جوار الجنود في حربي الاستنزاف وأكتوبر، حيث كانت تنظم زيارات خلال الحرب على الحدود مع عدد من الفنانين، وتجلى ذلك في الفيلم التسجيلي “جيوش الشمس” مع المخرج شادي عبدالسلام، حيث ظهرت من خلاله بشخصيتها الحقيقية مع الجنود لتخفف من ألمهم وتقوم بتوصيل خطاباتهم إلى أسرهم. وهي “المتمردة المحافظة” بحسب وصف الجمهور، حيث كانت ضمن فريق المتطوعات في أعمال التمريض بمستشفى المَعادي العسكري خلال حرب أكتوبر 1973، حسبما أكدت خلال لقاء تلفزيوني. كما قررت لطفي العام 2003، إعداد كتاب وثائقي يسجل الحروب التي تعرض لها العالم العربي منذ العام 1956 وحتى 2003.
وكانت للفنانة الراحلة أيضًا إسهامات خيرية، فكانت من أوائل المنضمين إلى جمعية “حماية الحمير” التي تأسست في 1930، على يد الفنان زكي طليمات، وكان لانضمامها بالغ الأثر على انضمام عدد كبير من المفكرين والأدباء والفنانين، ومنهم طه حسين وعباس محمود العقاد وتوفيق الحكيم وأحمد رجب.
ولدت بولا محمد مصطفى شفيق، التي يعرفها الجميع بـ”الصعيدية الأوروبية” في 3 يناير/كانون الثاني 1937 بحي الوايلي في منطقة عابدين، حسب بطاقة شخصية لها أصدرتها العام 1964، واكتشفها المخرج المصري رمسيس نجيب، خلال حفلة عيد الأسرة التي حضرتها في منزل صديق العائلة المنتج جان خوري؛ حيث رأى فيها بطلة فيلمه الجديد أمام الراحل فريد شوقي العام 1958، واقترح المنتج الراحل أسماء شُهرة عديدة لبولا، لأن اسمها لم يكن مألوفاً على آذان عشاق السينما في هذا الوقت، منها سميحة حمدي أو سميحة حسين. لكن بولا المثقفة التي شجعتها والدتها فاطمة على القراءة، اختارت اسم نادية لطفي، بطلة رواية “لا أنام” للكاتب إحسان عبد القدوس.
وهناك روايتان عن رد فعل إحسان عبد القدوس لاستخدام بولا اسم بطلة روايته. فلما ظهر اسم نادية لطفي في الشاشة، نشرت الصحف خبراً عن عزم إحسان عبد القدوس رفع دعوى قضائية ضد المنتج رمسيس نجيب، لاستخدامه الاسم من دون موافقته، وقال إحسان إن اسم نادية لطفي ضمن حقوق الملكية الفكرية له كمبدع للشخصية في روايته “لا أنام”. لكن القضية لم تتحرك من الصحف إلى المحاكم، وانتهت في أول لقاء اجتمع فيه إحسان ورمسيس ونادية. وقالت نادية: الحكاية كلها كانت عتاباً لطيفاً، و”دلع فنانين”، والأستاذ إحسان هنأني على نجاحي وتنبأ لي بمستقبل كبير في التمثيل، وقال لي: أنت فعلاً تشبهين البطلة الحقيقية لقصة “لا أنام”.
ونقل موقع “العربية” مجموعة طلاسم احيطت باسم نادية لطفي، فالحقيقي هو “بولا محمد مصطفى شفيق”، طبقاً لما نقرأه أيضا في صورة بطاقة هويتها. ولأن اسم “بولا” غريب اللحن على العرب، فقد اعتقدت أنه من اسم بولندا، لأن والدتها بولندية، وحين ولدت نادية لطفي، رغب والدها في تكريم والدتها، أي زوجته، فاستخرج من اسم بلدها Poland أول 4 أحرف، وجعلها اسماً أطلقه عليها.
الا أن موقع Wikipedia نسف هذا الظن، حيث نجد أن الاسم هو Paula Mohamed Mostafa Shafiq في سيرة نادية لطفي الانكليزية فيه، وبأنها ولدت في 3 يناير 1934 لأب مصري وأم تركية، علما أن نادية لطفي نفسها، تذكر أن والدتها بولندية.
قدمت نادية لطفي 75 فيلمًا سينمائيًّا على مدار 30 عامًا، من أشهرها “النظارة السوداء” و”الخطايا” وأبرزها “الناصر صلاح الدين” ودورها في “بين القصرين”، كما قدمت عملاً تلفزيونياً واحداً وهو “ناس ولاد ناس”، وعملاً مسرحياً واحداً هو “بمبة كشر”، وكان لها نشاط ملحوظ في الدفاع عن حقوق الحيوان في بداية الثمانينيات، حيث ذكرت في إحدى المقابلات الصحافية أنها زعيمة جمعية “حماية الحمير”، التي تأسست العام 1930.
نالت الكثير من الجوائز خلال مشوارها الفني…
كان قدر نادية لطفي أن ترحل في المرحلة التي يعيش فيها العالم ضجيج “صفقة القرن”.