في أقل من أسبوعين، حظي الراب المغربي “عاش الشعب” بأكثر من اثني عشر مليون مشاهدة على يوتيوب. لكن ليس هذا فحسب ما يدفع إلى الظن بأن الراب المغربي سيكون علامة لا تنسى في مشهد الثورات العربية، ولقد استُفزت السلطات إلى حدّ اعتقال أحد مغنّي العمل الثلاثة، سيمو الكناوي، الذي سيقدم للمحاكمة بعد أيام، ولكن الشرطة نفت أن يكون الاعتقال جرى في ضوء الراب، بل بناء على فيديو سابق “أساء للشرطة والأمن المغربي”. ما يجعل الفيديو مهماً إلى هذا الحدّ أنه أقرب إلى بيان سياسي غاضب يصف أحوال المغاربة.
“عاش الشعب” هو عنوان العمل، ولازمته التي تتكرر على مدار الأغنية “باسم الشعب، وعاش الشعب، وعاش اللي درويش”، في بلد اعتاد أن يقول “عاش الملك”، ولذلك اعتُبر مجرد العنوان خرقاً كبيراً. كما يأتي وصف “أمير المدمنين” فوق ذلك تهكماً واضحاً من لقب “أمير المؤمنين” الذي يكنّى به ملك البلاد.
الراب، الذي تردّد صداه لاحقاً في ملاعب الرياضة، يتحدث عن المواطن المغربي الذي أسهمت السلطات بـ “تعميق جرحه”، “أنا اللي جبت الاستقلال وعمري بيه ما حسيت”.. يتحدث بلسان المواطن المغربي “اللي هدر (تحدث) باسم الشعب، وقال العيب في اللي حاكم/ ردّوه إسلامي متطرف”. يتحدث مواطنُ الراب عن سخطه، غضبه، فقره، وهجرة أبنائه عبر البحار، وعن فساد الحاكم وإغراقه البلاد بالحشيش. ويتساءل “كيفاش نحب هاد الوطن!”.
هناك أيضاً، إلى جانب الكلمات، ما يكسب الكليب مصداقية وتأثيراً كبيرين، فالمغنون ليسوا نجوماً جاؤوا من خارج عالم الفقر والقهر، يغنون محاطين بالسيارات الفارهة والنساء الجميلات والمناظر الطبيعية الخلابة، إنهم ينشدون من قلب العتمة، من غرفة مظلمة كأنما تتوالد فيها الجدران، وجوههم عابسة، لا يشي مظهرهم بأي ترف. ليس من دون معنى أن أحدهم كان يغني بلا أسنان، من دون أي مجاز ولا تمثيل (يحضر هنا وصفٌ تسرّب من أقوال أحد رؤساء فرنسا، عندما نعتَ الفقراء الفرنسيين بأنهم “أولئك الذين بلا أسنان”!)، إنهم يروون مآسيهم هم بالذات، قرفهم، وسخطهم، لكنهم يقررون كسر حاجز الخوف، فعلى ما يبدو هم واعون تماماً لما اقترفت كلماتهم: “اللي يخاف يروّح”.
زميلا الكناوي الآخرين، الملقبين بـ لزعر وولد الكرية، ظهرا في مقابلات وأخبار أخرى أقرب إلى فارّين، وصحيح أن بلاغاً لم يصدر بحقهما، لكن أحدهما قال إن السلطات لا تستطيع اعتقالهما لأنهما بعيدين عن أنظارها. هكذا يصبح كليب “عاش الملك” احتجاجاً مقلقاً للسلطات، ومن البديهي أن نرى هذا التسارع في أعداد المشاهدات، كما لو أن مجرد المشاهدة تصويت على ما ورد فيه، كما لو أنه منشور سري تتلقّفه الأيدي، تحتضنه وتحرسه العيون.