مسلسل «المجرم»: الجنس كتجارة رائجة وربط المخدرات بالأقليات والإرهاب بالمسلمين

43

لا يبدو مسلسل (كريمينال) المجرم الأوربي (من إخراج جيم فيلد سميث وجورج ماي) حكايات عن حوادث قتل واختطاف واختفاء، أو لا تبدو الحكايات كذلك فقط. فخلف مكاتب التحقيق التي تجري الأحداث كلها فيها، نكتشف المجتمع الأوروبي في كل تناقضات الحياة اليومية فيه.
مجموعة من المحققين يتواجدون في مكتب تحقيق تابع للشرطة المركزية في كل دولة في أوروبا، يتغيرون مع تغير مكان الحدث، ودائما هناك متهم بجريمة أو شاهد عليها أو له علاقة بمن قام بها. هكذا تتأسس العلاقة بين محقق ومتهم في سلسلة الحلقات الكاملة، التي امتدت على اثنتي عشرة حلقة. وإن كان للمحققين مشاكلهم وأساليبهم المختلفة، فإن المهم هو ذلك المتهم الذي يخبرنا «بعد طول صبر من الاستجواب» عما يحدث هناك، في البيت أو المجتمع أو العمل أو السياسة.

اسبانيا: جنس ومخدرات

في القصة الأولى ثمة جريمة اختفاء لرجل اسباني، يشتبه بعلاقة له مع «ايزابيل»، التي يتم التحقيق معها. خلال مجريات التحقيق نرى إلى نمط أفعال الجنس الرائجة في اسبانيا، ومن خلاله نعرف نماذج كثيرة من الشخصيات التي تعيش في عزلة، أو تمتهن الجنس كتجارة ومتعة أحيانا. ينطق لسان «ايزابيل» بكل مشاعر وأحاسيس العزلة وغياب التواصل والتفاعل بين الأفراد. تعيش ايزابيل حياتها مع كلبتها فـ (فيلم يعد هناك رجال رمانسيون، لم يعد الحب متواجدا. يتواجد فقط في عالم الكلاب).
في النهاية تعترف «ايزابيل» أن «سيلفا» المختفي قد طلب منها وأخوها بأن يقيما جلسة جنس جماعي ما أدى بأخيها إلى قتله وإخفائه بعيدا.
مع «كارمن» في الجريمة الثانية، يحضر الجنس العائلي والجريمة. كارمن شابة في العشرينات من عمرها تعاني من اضطرابات نفسية، تقوم برعاية أختها المريضة بالتوحد، وهذه الأخيرة غرقت في حوض الاستحمام بينما كارمن تعد الطعام. هنا لا يشتبه بجريمة، فكل الأحداث لا تدل على ذلك. لكن استنطاق الحالات النفسية لكارمن يذهب بنا إلى نمط العلاقة المتشابكة بينها وبين أبيها وأختها.
تعترف كارمن بإغراق أختها بإيعاز من أبيها وعلى دراسة من أمها. لكن اعترافها هنا يأتي بعد أن عرفت أن والدها سيدخل السجن معها، حينئذ لا مشكلة لديها بالاعتراف بالجريمة. إنها رغبة بالانتقام من الوالدين إذن، فالحكاية لم تنته بعد.
مع انهيار كارمن بسبب عدم قناعة المحققين، تعترف بأن أمها كانت مريضة بشكل دائم وغير قادرة على رعايتها وأختها، وأن أباها كان يقوم باغتصابها واغتصاب أختها أيضا، لذلك أرادت أن تخلصها من كل ذلك. قتل بدافع الشفقة عليها.
في القصة الثالثة، ثمة تاجر كبير من مافيا المخدرات «كارميلو»، الذي يقتل أحد حراسه عند محاولة هروبه من أيدي الشرطة في عملية نقل للمخدرات. لكن أول جملة ينطق بها هي (أريد أن أوضح أني لست إرهابيا) في إشارة إلى أصوله المغربية، وتركيزه على القول إن أمه كاتالونية. وهو ما يحيل إلى ارتباط الإرهاب بالإسلام عموما والعرب خصوصا كفكرة راسخة في العقل الأوروبي «الاسباني هنا».
المفارقة في قصة كارميلو هو ربط موضوع المخدرات بالأقليات، هو عربي وأمه من إقليم كاتالونيا الذي يطالب بالاستقلال. وهو ليس بالأمر العارض، خصوصا إذا ما عرفنا أن أكبر تجار المخدرات كانوا من مدريد في فترة موجة انتشار المخدرات بين الشباب الاسبان منذ السبعينيات من القرن الماضي. لكن في النهاية يتم الإيقاع بكارميلو، وتحميله الكثير من التهم التي تصل به إلى السجن المؤبد.

بريطانيا: جرائم ومهاجرين

في الجريمة الأولى، «ادغار» طبيب متزوج ويربي ابنة زوجته البالغة أربعة عشر عاما، يتم التحقيق معه حول اختفائها ومن ثم العثور عليها، وقد آلت إلى جثة مرمية في غابة. القصة تبدو مكررة، إذ يقوم باصطحابها إلى نشاط رياضي خاص بها، وفي الفندق يقوم باغتصابها ومن ثم قتلها ورميها في الغابة.
لكن اللافت هو التركيز هنا على موضوع الجرائم، بغض النظر عن طريقتها، لأن المجتمع الانكليزي بات يعاني من تفشي ظاهرة الجريمة بمختلف أشكالها في السنوات الأخيرة. فقد سجلت بريطانيا منذ العام 2017 نسب جرائم عالية، كما كشف تقرير مؤخرا (2019) عن ارتفاع متضاعف لنسب جرائم الجنس في المملكة.
في الجريمة الثانية «ستايسي»، لا نرى اختلافا كبيرا في نمط الجريمة، فهي هنا أيضا جريمة أسرية، لكنها حضور المرأة أكبر هنا. تقوم «ستايسي» بعد أن تورطت بعلاقة جنسية مع زوج أختها، بالاعتراف على نفسها بعملية قتله عن طريق وضع السم في الويسكي الخاص به. لكن الاعتراف السريع لم يكن مقنعا للمحققين، الذين يعاودون الاستجواب مرة أخرى، لنكتشف أن أختها «صوفي» هي من قامت بقتله، بسبب العنف اليومي الذي يمارسه عليها.
في القصة الثالثة يحضر المهاجرون بشكل رئيسي، فالتحقيق يتم مع سائق الشاحنة «جمال معتصم» من أصول عربية. المشكلة مع جمال أو «جاي» هو تركه لشاحنة مليئة بالمهاجرين في منطقة نائية عن لندن، ولا يستطيع البوح بذلك خشية انتقام مافيا التهريب منه.
في النهاية يعترف جمال بمكان تواجد الشاحنة، لكن اعترافه ليس طوقا لنجاة المهاجرين، بقدر ما هو نجاح لاختبار إنسانية المهرب و»براعة» المحققين الذين لعبوا على وتر الخوف عليهم «أي المهاجرين»، رغم أننا نعرف أنهم كمهاجرين غير شرعيين سوف يخضعون لتقارير إدارة الهجرة التي يمكن أن تعيدهم من حيث أتوا.

ألمانيا: تناقضات وغرباء

في القصة الأولى، عودة إلى عام 1991، وقت انهيار المنظومة الاشتراكية وسقوط جدار برلين. مرحلة انتعشت فيها التجارة والأعمال بين شطري المدينة التي كانت مقسمة سابقا. «ينز كارل» الألماني الشرقي تتم اكتشاف بقايا جثته في إحدى مباني «يوخن» الألماني الغربي.
تفاصيل التحقيق تعود بنا إلى عهد التسعينيات، برلين المليئة بالانتهازيين وأصحاب الربح السريع وغير المشروع على حساب مشاريع في برلين الشرقية وأناسها «البسطاء».
إنها عودة إلى طبيعة الاختلاف الذي لا يزال لم تختف آثاره إلى الآن بين شرقي وغربي في شطري المدينة.
نكتشف مع التحقيق أن ما حدث هو «جريمة احتيال»، فالشخص الذي يتم التحقيق معه يظهر أنه العامل «ينز كارل» الذي استغل موت «يوخن» الحقيقي في حادث سيارة بعيدا عن منزله وانتحل شخصيته وعاش بها طول السنوات الطويلة حتى اليوم، معلنا وفاته كـ «ينز» من السجلات.
في القصة الثانية، «يلماز يوسف» ألماني من أصل تركي، يتعرض للعنف من قبل زوجته وعندما يدافع عن نفسه يرضى بالسجن مقابل الحفاظ على الميزات التي امتلكها من زواجه.
هنا لا توجد جريمة بالمعنى الحقيقي، لكن التعرض للعنف على أساس عرقي هو يصل حد الجريمة، لا سيما حين يترافق مع عنف مادي وهذه المرة بحق الزوج ذي الأصول التركية.
إنها ليست مشكلات المهاجرين الأتراك وعلاقتهم بالتقاليد الأسرية الخاصة بهم فقط، بل مشكلات جميع المهاجرين الذين لم تستطع بعض الشرائح في المجتمع الألماني تقبلهم كمستوى واحد من المواطنة.
في الجريمة الثالثة، «كلاوديا» تقوم بقتل الشبابات الصغار مع زوجها. محكومة بالسجن ومطلوب منها إرشاد أم آخر ضحية لها عن مكانها حتى يتسنى لها دفنها بشكل لائق.
القصة تتجاوز موضوع الجريمة هنا، على أهميته في المجتمع الألماني، لتصل إلى حياة السجناء وحقوقهم. فكلوديا القاتلة تم أخذ ابنتها منها وتبنيها من عائلة أخرى، دون أن يكون لها الحق في ذلك. إنها القوانين، ولكن أية قوانين هذه التي تحرم الأم من رؤية ابنتها، حتى ولو كانت قاتلة وسجينة.
ربما في نسخة أخرى من مجتمع آخر، كان يمكن للابنة أن تعيش حياتها محاولة تفهم ما حدث لأمها، ومن ثم هي تقرر ماذا تريد.
في القصة الأولى، تستغل الشابة «ايميلي» هجوما إرهابيا على ملهى ليلي في باريس، لتضع نفسها بين الضحايا «هي لم تكن في الملهى».
مع سير التحقيق نكتشف الوجه الإنساني للشابة «ايميلي»، التي انفصلت عن صديقها السابق قبل ليلة الهجوم على الملهى، وأرادت أن تختلق قصة وجودهما معا لكي ترضي أم صديقها السابق بأنها تعمل على راحة روحه، وتلك الأولى اعتبرتها ابنتها وعوضت الكثير عن موت ابنها.
لا توجد جريمة هنا، إلا في ما يتعلق بالمبالغ المالية، التي حصلت عليها الشابة كونها «ضحية»، لذلك الهجوم. إنها قصة أبعد من الاستغلال وأقرب إلى ارتكاب الأخطاء، إذا كانت ستؤدي إلى راحة الآخرين. وهي أيضا قصة عن «الإرهاب» الذي شكل محور اهتمام الشارع الفرنسي في السنوات الأخيرة.

فرنسا:اتهام مجتمع الذكور

في القصة الثانية، «كارولين» في الخمسينيات من عمرها، مديرة مشروع بناء برج ضخم تتهم بقتل رئيس العمال «سعي بن عوض» بدفعه من أحد الطوابق.
لكن القصة تتشابك ويأخذنا الحوار حول حقوق المرأة ومحاربة الرجال لها في بعض المهن «مثل المهن الهندسية الضخمة» والتقليل من شأنها. تكرر كارولين اتهامها لمجتمع الذكور الذين يريدون المرأة بدرجة أقل منهم.
لكن التحقيق يصل إلى نقطة مفصلية، نكتشف أن كارولين وسعيد على علاقة معاشرة، رغم فارق السن بينهما. ونكتشف أن سعيد قد تآمر مع رفاقه بالتعرف عليها حتى يستطيع أن تكون كلمته هو المسموعة من قبل العمال.
ولكن موته شيء آخر، فقط اختل توازنه ووقع من أحد الطوابق العليا.
في القصة الثالثة، يتم قتل أحد المثليين من قبل مجموعة ممن يصفون أنفسهم بأنهم «محاربو المثليين». يتم استجواب «جيروم» الذي يرأس مجموعة للعمال في إحدى الشركات بعد القبض عليه في مكان الحادث.
يبدي «جيروم» كرهه للمثليين، كما مرؤوسوه من العمال، وهو المتزوج ولديه طفلتان.
لكن مع استمرار التحقيق نعرف أن «جيروم» هو مثلي الجنس أو مزدوج الهوية الجنسية، وكان يدّعي عكس ذلك أمام رفاقه.
والشخص الذي تم قتله هو صديقه المقرب حين كانا في ملهى للمثليين.
يمكن أن نحزر أن الواقع المحيط بالشخص يمنعه من إعلان هويته الجنسية، حتى لو كان يقر بها القانون، إنها قصة عن صعوبة الاختيار في العلن في أدق الأمور الشخصية خصوصية.
مسلسل «المجرم» هو بانوراما أوروبية معاصرة تختلط فيها مشكلات الأسرة والعمل والسياسة وبالطبع وجود المهاجرين من أصول متنوعة، إنه بالعمق مسلسل ذو بعد سوسيو ثقافي كاشف للحال، الذي وصل به المجتمع الأوروبي في الوقت الحالي.

 كاتب فلسطيني سوري

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here